التفريق بين الحديث الصَّحيح والحسن من حيث الشروط
عند دراسة مفهوم الحديث الصَّحيح والحسن، يتضح وجود فروق جوهرية بين النوعين، ويظهر ذلك بجلاء من خلال الشروط المفروضة على كل منهما. سوف نوضح ذلك فيما يلي:
شروط الحديث الصحيح
عرف العلماء الحديث الصَّحيح بأنه ذلك الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط، بدءًا من السند إلى نهايته، خاليًا من الشذوذ أو العلة. إذا تمت مراعاة هذه الشروط، يُعتبر الحديث صحيحًا، وبيان الشروط فيما يلي:
- الاتصال في السند: يجب أن يكون كل راوٍ من الحديث قد أخذ روايته ممن هو فوقه حتى يصل إلى المصدر، مما يستثني الأحاديث المرسلة والمُعضلة والمُعلقة والانقطاع بسبب فقد أحد الرواة، الذي قد يكون ضعيفًا.
- العدالة في جميع الرواة: ينبغي أن يتصف رواة الحديث بالتقوى والنزاهة، بعيدين عن الفسق وما يخل بالمروءة. العدالة تعني الاستقامة في الدين والسلوك، بناءً على قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا.
الفاسق لا يُقبل خبره إلا بعد التحقق منه. - الضبط في جميع الرواة: يجب أن يكون الراوي حافظًا للحديث، إما في ذهنه أو مكتوبًا لديه، قادرًا على استحضاره عند النقل.
- عدم الشذوذ: ينبغي أن لا يكون الراوي مخالفًا لمن هو أوثق منه، حيث يُقدم الأوثق على الثقة. بعض العلماء يعتبرون هذا الشرط جزءًا من شرط السلامة من العلل، حيث الشذوذ يمكن أن يأتي من حديث آخر مخالف. على سبيل المثال، ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- تحذيرٌ من الصيام بعد منتصف شعبان، ولكن الحديث الصَّحيح يُسجل قول النبي:
لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ.
وقد اعتبر الإمام أحمد الحديث الأوّل شاذًّا لمخالفته الحديث الأصح. - عدم وجود علة في الحديث: يجب أن يكون الحديث خاليًا من العلل التي قد تؤثر على صحته، لذا تُستبعد الأحاديث المعللة.
ومن الأمثلة الرائعة على الحديث الصَّحيح ما رواه النبي -عليه الصلاة والسلام- والذي رواه الإمامان البخاري ومسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة -رضي الله عنهم-: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ.
نجد أن جميع رواة هذا الحديث ثقات وقد نقلوا بعضهم عن بعض، وليس فيه أي علة تعمل على إبطال سنده.
شروط الحديث الحسن
تعددت وجهات نظر المحدثين حول مفهوم الحديث الحسن، حيث أن بعضهم يعتبر الحديث الحسن لذاته في حين أن آخرين يعتبرونه لغيره. وفي هذا السياق، نقصد بالحديث الحسن لذاته الحديث المتصل السند الذي يرويه العدل الذي خفَّ ضبطه، خاليًا من الشذوذ أو العلة. يختلف الحديث الحسن عن الحديث الصَّحيح من حيث شرط الضبط، ففي الحديث الصَّحيح جميع الرواة يكونون تامّي الضبط، بينما في الحديث الحسن قد يكون ضبط الرواة أخف.
من الأمثلة على الحديث الحسن، ما رواه الإمام أحمد -رحمه الله-: حدثنا يحيى بن سعيد عن بهز بن حكيم حدثني أبي عن جدي -رضي الله عنهم- قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، مَن أبَرُّ؟ قالَ: أُمَّكَ، قالَ: قلتُ: ثمَّ مَنْ؟ قالَ: أُمَّكَ، قالَ: قلتُ: ثمَّ مَنْ؟ قالَ: أُمَّكَ، قالَ: قلتُ: ثمَّ مَنْ؟ قالَ: ثمَّ أباكَ ثمَّ الأقربَ فالأقربَ.
هذا الحديث متصل السند، ولا شذوذ أو علة فيه، لكن بهز بن حكيم يعتبره بعض العلماء خفيف الضبط. وقد اعتبر بعض العلماء الحديث الحسن نوعًا من أنواع الحديث الصَّحيح، بينما ما زال العمل عند أهل الحديث هو أنه نوع مستقل أدنى مرتبة من الحديث الصحيح.
- الحديث الذي يكون أقل درجات من الصَّحيح من حيث الضبط والإتقان في الرواة، والذي قد يحتوي على بعض الأخطاء أو الوهم، ولكن لا يصل إلى درجة يسمح فيها بإسقاط اعتبار روايته.
- الحديث الذي يعاني من نقص في الاتصال أو الضبط ولكن يمكن قبوله عندما يأتي حديث آخر يدعم معناه، ما يُعرف بالحديث الحسن لغيره أو الضَّعيف المُنجبر.
وبذلك، فإن الحديث الحسن يتميز برواة أقل ضبطًا مقارنة برواة الحديث الصَّحيح، وهو ما يميز بينهما، ومع ذلك، كلاهما يكون خاليًا من العلل والشذوذ.
الفرق بين الحديث الصَّحيح والحسن من حيث الحجية
يتفق علماء الحديث والفقهاء والأصوليون على أن الحديث الصَّحيح هو حجّة يُجب العمل بها، بغضّ النظر عن عدد رواته حتى وإن كان واحدًا، مما يُسمى بحديث الآحاد. يتم الاستناد إليه في الأحكام الفقهية. وقد اختلفت آراء العلماء حول استخدامه فيما يتعلق بالعقائد، إلا أن علماء السُنَّة قالوا بقبول خبر الآحاد في العقائد لأنه يفيد العلم القطعي. يمكن تقسيم الحديث الصَّحيح إلى قسمين كما يلي:
- القسم الأول: الحديث الصَّحيح الذي لم يأتِ ما يُقوّيه، وهذا يُعتبر قويًا ويجب العمل به في الأحكام. أما في العقيدة فلا يجب العمل به نظرًا لاحتمالية وجود خطأ في الراوي.
- القسم الثاني: الحديث الصَّحيح الذي استكمل جميع شروط الصحة، ويجب العمل به حتى في العقائد لأنه يثبت العلم اليقيني.
كذلك، تثبت الأحكام بالأحاديث الصَّحيحة والحسنة، ويُعتبر الاحتجاج بهما صحيحًا نظرًا لتوافر الشروط اللازمة لقبول الحديث. ومع ذلك، يجب إيلاء النظر لروايات الحديث الحسن من البداية للتأكد من عدم تدخل الأخطاء في سلسلة الرواية. قدم بعض علماء العقيدة آراء بخصوص عدم قبول الحديث الحسن أو خبر الآحاد في بعض فروع العقيدة، لكن الأصل هو الأخذ بهما في العقيدة لتأييدهما لأصول معلومٍ من الدين.
أما بالنسبة لعدم الأخذ بخبر الآحاد في العقيدة، فقد تبنى هذا الرأي بعض الفرق كالرافضة والمعتزلة، لكن الأخذ بخبر الآحاد هو الرأي السائد بين العلماء في القديم والحديث باعتبار إجماع الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن بعدهم من التابعين على اعتباره. فقد حدث وصلوا إلى صلاتهم بعد إخبارهم من قبل شخص واحد.
فيما يتعلق بالحديث الحسن، يُعتبر مقبولًا في الأحكام عند الفقهاء ويُحتج به، وهو يمثل الرأي الذي تبناه معظم المحدثين والأصوليين، إذ إن خفة ضبط الراوي لا تُخرجه عن جدارة الأداء كوسيلة لنقل الحديث، ولكنه يبقى أقل قيمة من الحديث الصحيح.