الاجتهاد المقاصدي
تهدف الشريعة الإسلامية إلى تحقيق سعادة الإنسان في الدارين من خلال جلب المنافع ودرء المفاسد. وقد ساهم الإمام الشاطبي في إبراز مفهوم الاجتهاد المقاصدي بشكل واضح، إلا أن هناك العديد من العلماء الذين سبقوه في صياغة هذا العلم، مثل الإمام الجويني، والعز بن عبد السلام، وابن عاشور.
من المؤكد أن عصر الاجتهاد خلال فترة الصحابة كان يتمتع بنظرة شمولية، نظرًا لتمتعهم بقدرات عقلية تمكنهم من فهم اللغة ومعانيها من جهة، وكذلك لمعايشتهم فترات نزول الوحي وفهم مغزاه من جهة أخرى.
أمثلة على الاجتهاد المقاصدي عند الصحابة
تبرز أهمية النظر المقاصدي في أن الأحكام الشرعية لها ظاهر وباطن، وأن هناك أحكامًا واضحة يمكن إعادة تقييمها حسب الظروف الحالية ونتائجها، بما يحقق المصلحة الكلية وفهم المقصود من الحكم وتطبيقه.
تتعدد الحوادث التي اجتهد فيها الصحابة خلال زمنهم، خاصة مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، واحتياجها لحفظ الدين وتحقيق الأهداف الشاملة للشريعة. تناول عدد من علماء الأصول ومؤرخي الفقه هذه الأمثلة من خلال النقاش والتحليل، ومن بين أبرز هذه الأمثلة:
- اختيار أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خليفة للمسلمين
استنادًا إلى إمامته في الصلاة، حيث اعتُبر الرجل الثاني في الإسلام، بالإضافة إلى قدرته على تجسيد الرسالة الدعوية والحضارية ومؤهلاته الشخصية في حفظ استقرار الدولة.
- جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
وذلك بعد معركة اليمامة، التي راح ضحيتها عدد كبير من الصحابة، كما تمت إعادة تنظيم القرآن الكريم في عهد عثمان -رضي الله عنه- لتفادي الخلافات حول تنوع القراءات وضبط كيفية استخراج النصوص.
- إمضاء طلاق الثلاث بلفظ واحد على أنه طلاق بائن بيونة كبرى
وذلك لمنع الرجال من الاستهزاء بكثرة الطلاق، حيث اجتهد الصحابة في تنفيذ الطلاق ثلاثًا لحماية الأسرة من التفكك.
- عدم توزيع الأراضي المفتوحة على المقاتلين
على غرار بقية الغنائم، حيث وُضعت تحت تصرف بيت المال، في محاولة لزيادة إيراداته وتعزيز نفقات الدولة.
- الاجتماع في المساجد لأداء صلاة التراويح جماعة في رمضان
وذلك لتحقيق الأهداف المرجوة من إقامة الصلاة بشكل جماعي، وزيادة الأجر والثواب.
- عدم إقامة الحدود خلال الغزو
نظرًا لخوف عدم انضمام بعض أفراد الجيش المسلم للقتال، مما جعل المصالح المتعلقة بوحدة الصف تفوق تطبيق العقوبة.
- عدم تطبيق حد السرقة في عام المجاعة
رغم توافر شروطه، بسبب وجود شبهات تتعلق بالضرورة للتمسّك بحقوق الآخرين.
- وقف منح سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة
لانتفاء الأسباب التي تدعو لذلك، حيث كان الهدف من هذا السهم هو إبعاد أعداء الإسلام لحين تثبيت أركانه، وعندما تحقق ذلك لم تعد الحاجة موجودة.
مفهوم الاجتهاد لغة واصطلاحاً
الاجتهاد في اللغة يعني الجهد، بفتح أو ضم الجيم؛ أي تحمل المشقة وبذل الطاقة أو الجهد واستفراغ الوسع. أما اصطلاحياً، فقد عرّفه الإمام الغزالي بأنه بذل المجتهد قصارى جهده في طلب علم أحكام الشريعة. وتحقق درجة الاجتهاد لمن يمتلك صفتين: الأولى، فهم مقاصد الشريعة بشكل كامل، والثانية، القدرة على استنباط الأحكام بناءً على هذا الفهم.
وبخصوص صفات المجتهد، يجب أن يتحلى بمجموعة من الخصائص التي تؤهله للاجتهاد، مثل بلوغ سن التكليف، العدالة، والقدرة على فهم النصوص الشرعية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون ملماً بعلوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة، وأن يكون على دراية بعلوم القرآن والسنة، وفهم الأصول والفروع والمقاصد الشرعية، فضلاً عن أن يمتاز برؤية ثاقبة تساعده على الاستنباط، مثل الفطنة والذكاء.
أما مفهوم الاجتهاد المقاصدي، فيعرف بأنه بذل الوسع في نيل حكم شرعي مع مراعاة غايات الشريعة ومصالح الخلق في الدارين.
