تحفل حياة الأنبياء بالعديد من المواقف، بعض منها معلوم والبعض الآخر يظل خافيًا عن الكثيرين. إذا أخبرك أحدهم أن نبيًا ما تمنى الموت، هل ستصدق ذلك؟ أم ستعتبره مجرد افتراء لا يمكن أن يكون واقعًا؟ في هذا المقال، سنتناول هذا الأمر لنكتشف معًا ما إذا كان هناك نبي قد تمنى الموت، وإذا كان الأمر صحيحًا، فمن هو؟
من هو النبي الذي تمنى الموت؟
وفقا للطبراني بسند صحيح، لا توجد أي حالة لنبي تمنى الموت سوى يوسف عليه السلام. وقد جاء ذلك نتيجة شعوره بالاكتفاء من ملذات الدنيا وجمالها، بعد أن منحه الله الكثير من النعم، بالإضافة إلى جمعه بشمل أسرته في وقت لاحق، حتى وإن كانت تلك الفترة صعبة. وفي النهاية، كان لديه الرغبة في لقاء الله والانتقال إلى العالم الآخر.
وذكر مجاهد أن يوسف، عندما التقى بأبيه وإخوته مجددًا وقد أصبح ملكًا على مصر، شعر بالشوق لله ولآبائه الصالحين، فدعاه قائلاً: “رب قد آتيتني من الملك”.
ووفقا لبعض علماء الدين، فإن هذه الأمنية لم تكن تعبيرًا عن رغبة في الفرار من الحياة، بل كانت تعني الرغبة في الراحة الأبدية والانتقال إلى الله الواحد القهار والرفقة مع الصديقين والشهداء والعلماء.
التوجه الديني نحو تمني الموت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يتمنينّ أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي”. رواه مسلم.
وهذا الحديث يشير إلى ضرورة التحليل الدقيق لكلمات الإنسان التي قد تتضمن تمنى الموت، حيث أن سيدنا يوسف كان يعبر عن تمني لقاء الله وليس الفِرار من الحياة.
معلومات حول سيدنا يوسف عليه السلام
يوسف هو نبي من أنبياء الله الذين بعثوا لهداية البشرية، ووالده هو يعقوب عليه السلام، ووالدته هي راحيل. تميز سيدنا يوسف بوسامة كبيرة، وخلق كريم، وكان ذكيًا منذ صغره. وقد ذُكر اسمه واسم والده في القرآن، كما سُميت سورة كاملة باسمه، وتعتبر من أجمل السور.
فترة الطفولة في حياة يوسف عليه السلام
نشأ سيدنا يوسف مع والده يعقوب، وفي أحد الأيام، رأى رؤية تتضمن 11 كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له، مما جعل سيدنا يعقوب يدرك أن مستقبل يوسف سيكون مشرقًا.
لكن يعقوب طلب من يوسف ألا يخبر إخوته عن حلمه، نظرًا لعلمه بما في نفوسهم من غيرة.
بداية الفرح تأتي من الكرب
أدى حب سيدنا يعقوب الشديد لابنه إلى إثارة مشاعر الغيرة بين إخوته، ما دفعهم لقرار قتله. لكن أحد الإخوة اقترح أن يلقوه في البئر بدلاً من ذلك.
فتوجهوا إلى والدهم طالبين الإذن للعب مع يوسف، فرغم رفض يعقوب في بداية الأمر، إلا أنه وافق لاحقًا.
وعندما اختفى يوسف، حز في نفس يعقوب، وسأل أبنائه، فأخبروه أن الذئب قد أكل يوسف في وقت غيرتهم.
وعندما أعطوا والدهم قميصه ملطخًا بالدماء، حاولوا إقناعه، لكن يعقوب أدرك أنهم يكذبون، إذ لم يكن هناك تمزق في القميص.
لذا، تأكد يعقوب من خيانة أبنائه واحتسب الأجر عند الله، كما ذكرت الآية (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [يوسف:83].
وعندما خرج يوسف من البئر، لم يبتسم له الحظ، بل استمرت الصعوبات في اختبار صبره وإيمانه خلال فترة شبابه.
أحبته زوجة العزيز وقررت أن تغويه، لكنه لم يُقبل على محاولاتها.
ولقوله تعالى (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [سورة يوسف:23].
وعندما حاول الهرب، مزقت قميصه من الخلف، وعندما جاء العزيز، أخبرته زوجته أنه يريد مراودتها.
لكنه رأى القميص الممزق وأدرك خيانة زوجته، وبسبب ذلك، سُجن يوسف.
كانت هذه المحنة نهاية سلسلة من الاختبارات التي مر بها يوسف عليه السلام.
كيف تحولت محنة يوسف بسجنه إلى منحة
أصبح السجن المحنة الأخيرة لسيدنا يوسف، حيث استمر في الدعاء لله والتعامل برحمة وعطف.
وساهمت حكمته في اكتساب صداقات عديدة داخل السجن، وبدأ يدعو من حوله للتفكر وعبادة الله والتوحيد.
كانت تفسيره للأحلام نقطة تحول في حياته، فتلقى طلب تفسير حلم من صديقين له.
تنبأ يوسف بأن أحدهما سيتعرض للصلب، بينما الآخر سيعمل في قصر الملك.
بعد فترة، تحقق ما قاله، حيث صُلب أحدهما وانتقل الآخر للقصر، ثم رأى الملك حلمًا لم يستطع أحد تفسيره.
في القرآن الكريم ذكر الحلم بقوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) [يوسف:43].
تذكر الناجي من رؤية السجن سيدنا يوسف، واستدعاه لتفسير حلم الملك، فعندما جاء، بدأ في تفسير الرؤية.
حيث أكد أن مصر ستشهد سبع سنوات من الخير والنماء تليها سبع سنوات من القحط، مشيرًا إلى أهمية تخزين الطعام خلال السنوات الجيدة.
ثم خرج يوسف من السجن وعُين والياً على خزائن مصر نتيجة لأخلاقه ومكانته.
استطاعت مصر التعامل بكفاءة مع سنوات الجفاف، حتى انتشر القمح ليتجاوز حدودها إلى كنعان.
جاء عشرة من إخوته إلى مصر بحثًا عن الطعام، ودخلوا قصر العزيز دون أن يعلموا أن أخاهم هو الوالي.
ولكنه تعرف عليهم وطلب عودة شقيقهم الأصغر، وعندما جاءوا جميعًا إلى القصر، تعذر عليهم التصديق واعتذروا، تحققت الرؤية التي رأها يوسف في صغره.