أين حدثت غزوة تبوك؟

موقع غزوة تبوك

غزوة تبوك، التي تُعتبر آخر غزوات النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم-، وقعت في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة في منطقة تُعرف بتبوك، التي تقع في شمال الحجاز على بعد حوالي سبعمئة كيلو متر من المدينة المنورة. تمثل تبوك نقطة التقاطع بين وادي القرى والشام، حيث يحدها جبل شروري من الشرق وجبل حسمي من الغرب. وقد أُشير إلى أن تبوك كانت تُستخدم كخزان مياه لأبناء سعد بن عذرة.

سير النبي وأصحابه نحو تبوك

أطلق الرسول -صلى الله عليه وسلّم- دعوة للمسلمين ليكونوا على أهبة الاستعداد للغزوة، مشجعًا الأغنياء منهم على التبرع لإغاثة المسلمين، حيث كان لعثمان بن عفان -رضي الله عنه- دور بارز بتبرعه بألف دينار، ما جعله ينال دعاء الرسول. وقد أنعم الله -تعالى- بالعذر لمن لم يتمكن من الخروج للجهاد من الفقراء والمحتاجين الذين حضروا إلى الرسول طالبين ما يحملهم، فاعتذر لهم النبي -صلى الله عليه وسلّم- لعدم توفر الوسائل، مما دفعهم لمغادرة المكان بقلوب مثقلة بالحزن لفوات فضل الجهاد وثوابه. كما وُجد عدد من المسلمين كانت خياراتهم قائمة فقط على ضعف النية وعدم العزم.

بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- التحرك مع جيش يضم حوالي ثلاثين ألف مقاتل متوجهًا نحو تبوك. وعند وصوله إلى ثنيّة الوداع، ترك محمد بن مسلمة الأنصاري -رضي الله عنه- في المدينة وأعطى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مسؤولية العناية بأسرته، حيث اشتكى علي -رضي الله عنه- من الفتن التي كان ينشرها المنافقون، فأجابه رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: “ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي.” استمر الرسول -صلى الله عليه وسلّم- في رحلته حتى نزل بجيشه في ديار ثمود، حاثًا أصحابه على عدم دخول مساكنهم إلا وهم باكون، مخافة أن يصيبهم ما حل بهم. وعندما وصل إلى تبوك، استقبله أمير أيلة، يوحنا بن رؤبة، وقدم له الجزية، وجاءه أهل جرباء وأذرح، فكتب لهم كتاب أمن يضمن لهم الحماية.

عندما سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بخبر انسحاب الروم من فكرة الهجوم، قرر العودة إلى المدينة بعد أن تحقق من الهدف الذي خرج من أجله. لكن سابقًا على عودته أرسل خمسمئة فارس بقيادة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي أمير دومة لكي يواجه المناصرين للروم، فأسره خالد -رضي الله عنه- وأحضره إلى رسول الله الذي أطلق سراحه بعد أن اتفق معه على الجزية.

أسباب توجه النبي وأصحابه إلى تبوك

بدأت جيوش الروم بالتجمع في منطقة البلقاء المحتلة في الأردن، على بُعد مئات الكيلومترات من المدينة. وعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أن هذا التجمع كان بغرض الهجوم على المدينة، فبدأ يفكر في الحلول الممكنة للتعامل مع هذه الأزمة. كان من الممكن اختيار البقاء في المدينة وانتظار الروم، لكن هذا لم يكن الخيار الأمثل، إذ أن الانتظار كان سهلًا لكن يفتقد للجدوى. قرر النبي -صلى الله عليه وسلّم- خيارًا بديلًا وهو السير بجيشه إلى الشام، ومن بين أسباب هذا القرار:

  • إدارة المعركة واختيار زمانها ومكانها، مما يضمن عدم فرضها على المسلمين.
  • ابتعاد مواجهة الحرب عن المدينة المنورة، التي تُعتبر مركز المسلمين، مما يعني أن سقوطها قد يكون عواقبه وخيمة على الإسلام في الجزيرة العربية.
  • إظهار قوة المسلمين وشجاعة الإسلام للأعداء، مما يمكن أن يخلق الخوف في قلوبهم.
  • حماية المسلمين المتواجدين في أطراف الصحراء وإنقاذ دمائهم، كونهم جزءًا من المجتمع المسلم الذي يحرص النبي على حمايتهم.
  • تمحيص صفوف المسلمين واختبارهم في وقت كانوا فيه يتطلعون لجني الثمار، مما أدى لكشف المنافقين.

التحديات في غزوة تبوك

وصفت غزوة تبوك بيوم العسرة، كما جاء في قوله -تعالى-: “الذين اتبعوه في ساعة العسرة”، لما تخلله من مشقة، ومن أبرز مظاهر هذه المشقة:

  • الصعوبات الاقتصادية، فقد كانت المدينة تمر بأزمة مالية وكان الخروج للغزوة يتطلب التوجه نحو الروم دون توافر مؤن كافية.
  • طول المسافة وصعوبة الطريق، إذ تبلغ المسافة بين المدينة وتبوك سبعمئة كيلومتر عبر صحراء وعرة.
  • شراسة العدو، حيث كانت مواجهة جيش الروم الأكثر قوة في العالم تحديًا هائلاً.
  • الحرارة الشديدة وقلة المياه خلال الصيف، إذ تمت الغزوة في ذروة الحر حيث تعاني القوات من العطش.

وهنالك العديد من الأحداث التي تعكس تلك المشاق، منها:

  • ذكر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- العطش الشديد الذي أرهق المسلمين، الأمر الذي جعل بعضهم يذبحون إبِلهم ليسكُنوا عطشهم.
  • ذكر أبو هريرة -رضي الله عنه- أن المسلمين اشتكوا من الجوع، مما دفعهم لطلب إذن ذبح الإبل، واقترح عمر بن الخطاب جمع القليل المتبقي من الطعام والدعاء بالبركة، فاستجاب النبي ودعا لهم.

نتائج غزوة تبوك

لم يجد النبي -صلى الله عليه وسلّم- أي أثر لجيش الروم عند وصوله إلى تبوك، حيث تراجع الروم عن فكرة الهجوم وعادوا إلى بلادهم، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- لم يتعجل العودة إلى المدينة. استقر النبي بجيشه في تبوك نحو عشرين ليلة، وذلك لغرس الخوف في نفوس الأعداء، وسارع لحل النزاع مع أهل أيلة وأذرح وجربا الذين قدموا له الجزية.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *