التحذير من النار
معنى اتّقوا النار
توجيه “اتّقوا” يظهر في عدة مواضع في القرآن الكريم، حيث يبدو أن هذه المواضع متباينة في دلالاتها، لكن في الحقيقة هناك توافق بينها. كقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) وقوله في موضع آخر: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ). والمراد بعين لفظة (اتّقوا) هو ضرورة وجود وقاية يمنع العبد من الوقوع في الأخطاء التي تثير غضب الله -عزّ وجلّ-. من صفات الله سبحانه: القهار، الجبار، وشديد العقاب، حيث تمثل النار أحد تجليات صفات جلاله. لذا يُعتبر “تقوى النار” بمثابة حماية العبد لنفسه من النار، وذلك من خلال ترك المعاصي التي تؤدي إلى دخولها، مما يعد وقاية من صفات الجلال المتمثلة في النار.
التحذير من النار في الكتاب والسنة
يظهر التحذير من النار بوضوح في القرآن الكريم، حيث تم ذكر ذلك في العديد من الآيات، بالإضافة إلى تأكيد الكثير من الأحاديث النبوية، مثل:
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
- قول الله -عزّ وجلّ-: (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّـهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ).
- قوله -سبحانه-: (وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ* كَلَّا وَالْقَمَرِ* وَالْلَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ* وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ* إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ* نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ* لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ).
- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (إنما مثلِي ومثل أمتي كمثل رجلٍ استوقد نارًا، فجعلت الدواب والفراش يقعْنَ فيها، فأنا آخذٌ بحجزكُم وأنتم تتقحمون فيها).
- في صحيح مُسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (لما أنزلت هذه الآية: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} دعا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قريشًا، فاجتمعوا، فعمّ وخصّ، فقال: يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطّلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، فإنّي لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أنّ لكم رحمًا سأبُلّها ببَلَالِها).
اتّقوا النار ولو بشق تمرة
روى الإمام البخاريّ في صحيحه، عن الصحابيّ عدي بن حاتم الطائي، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (اتّقوا النار ثم أعرض وأشاح، ثم قال: اتّقوا النار ثم أعرض وأشاح ثلاثًا، حتى ظننا أنه ينظر إليها. ثم قال: اتّقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، وقد ذكر الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا الحديث بعد كلامه عن النار واستعاذته بالله منها، مما يدل على حرصه على تحذير أمته من النار، وذلك برحمته بهم. حيث حثّهم في الحديث السابق على أداء العبادات والطاعات التي تقيهم منها، مؤكداً على أهمية العمل الصالح حتى وإن كان قليلاً، مُشيرًا إلى أن إعطاء النصف من التمرة والعمل بكلمة طيبة يمثلان من الأعمال التي تؤدي للنجاة. فإن الحديث يدل على أن الكلام الطيب هو من صفات الخير التي يمكن للمسلم القيام بها، حيث إن له أثرًا كبيرًا في النفس، ويُدخل السرور إليها.
الكلمة الطيّبة صدقةٌ
مثل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الكلمة الطيبة بالصدقة، حيث قال الله -تعالى-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). إن التعامل بالإحسان مع الآخرين، سواء كان بالأفعال أو الأقوال، يُعدّ من الأعمال الجليلة في الإسلام. فالكلمة الطيبة تشمل ذكر الله، والتكبير، والتهليل، وقراءة القرآن، وأيضًا تشمل التحدث بطريقة تسعد الآخرين، حيث قال الله -تعالى-: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
الدروس المستفادة من حديث اتّقوا الله ولو بشق تمرة
يوفر الحديث النبوي مجموعة من الدروس والعبر التي ينبغي فهمها، ومن أبرزها:
- الإكثار من الأعمال الصالحة، والمُداومة عليها، والعمل على اجتناب الأعمال السيئة.
- الصدقة كوسيلة لدخول الجنة والوقاية من النار، وتعتبر الكلمة الطيّبة من مصاديق الصدقة، حيث قال النبيّ عن الصدقة: (الصّدقة تطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار).
- ستر الذنوب وكسب المغفرة من الله، حيث يُشير النبيّ إلى أن الله -تعالى- يستر الذنوب في الدنيا، ويغفرها في الآخرة لمن جاء بعمل صالح.
عدم احتقار المعروف
يتجلى المعروف في وصايا النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأهمية عدم الاحتقار أو التقليل من أي عمل صالح، حتى وإن كان هذا العمل يبدو صغيرًا، فقد بيّن النبي أن هذا الأمر يدل على ضعف الإيمان. عن أبي ذَرّ الغفاري -رضي الله عنه- قال: (لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).
يُحتمل أن تقدم المعروف للناس دون أن ينقص ذلك من قيمته، لأن هذا العمل قد يكون سببًا في تحقيق مرضاة الله -عزّ وجلّ-. وقد ورد أن العبد يتحدث بكلمة من رضوان الله دون أن يدري، مما يرفع درجاته عند الله.
الصدقة كنوع من المعروف
حثّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- المؤمنين على معاملة الآخرين بالمعروف، واعتبر كل نوع من المعروف بمثابة صدقة، مثل الإنفاق على الأسرة، مواجهة الناس بابتسامة وتفاؤل، والعفو عنهم. حيث قال رسول الله: (كل معروف صدقة)، مما يُعبر عن أهمية الأعمال المعروفة ووجوب الإحسان بها.
لمزيد من التفاصيل حول فضل الصدقة، يُمكنكم الاطلاع على مقالة بعنوان: ((أحاديث عن فضل الصدقة)).
فوائد حديث لا تحقرنّ من المعروف شيئاً
تتضمن حديث النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن عدم احتقار المعروف العديد من القيم ودروس المستقبل، ومنها:
- تشجيع المسلمين على أداء مختلف أنواع المعروف بأنفسهم، ومساعدة الآخرين على القيام بذلك بجميع الوسائل المتاحة.
- الحصول على أجر عظيم من الله تعالى لمن يبادر بفعل المعروف، حتى وإن كان قليلاً، وهذا يعود لنية الفاعل أو حاجة المفعول له.
أسباب النجاة من النار
تُعد طاعة الله -سبحانه وتعالى- وطاعة رسوله -عليه الصلاة والسلام- الأساس للفوز بالجنة والنجاة من النار، ويقتضي ذلك تنفيذ الأوامر وابتعاد عن المنهيات والمحرّمات. قال الله -عزّ وجلّ-: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ).
بعد ذلك، هناك العديد من الأعمال التي تجنب العبد من النار وتمنحه النجاة، ومنها:
- شعور الخوف من الله -تعالى-، كما جاء في قوله: (وَلِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)، ومن الأحاديث النبوية: (عَينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ: عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل اللهِ).
- اللجوء إلى الله -تعالى- وطلب النجاة منه، كما جاء في قوله: (والذين يقولون ربّنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا).
- التحلّي بالصبر على فقد الولد، يقول النبي عن من يموت له ثلاثة أبناء: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار، إلا تحلّة القسم).
- الالتزام بأداء الصلاة والمداومة عليها، حيث يقول النبي: (تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود).
- توحيد الله -تعالى- بصدق ويقين، حيث قال رسول الله: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، حرم الله عليه النار).
- الإيمان والحرص على أداء الأعمال الصالحة، كما جاء في قوله: (الذين يقولون ربّنا إنّا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار).
- الصيام، حيث يُعدّ وقاية للعبد من المعاصي ومن دخول النار، قال النبي: (الصيام جُنّة).
- تحقيق محبّة الله في القلب، حيث قال النبي: (والله لا يُلقي الله حبيبَه في النار)، ويمكن تحقيق ذلك بالعديد من الأسباب مثل:
- تلاوة القرآن الكريم.
- اتباع النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- في القول والفعل والأخلاق.
- الحرص على أداء النوافل من العبادات.
- الزهد في الحياة الدنيا والعمل للحياة الآخرة.
- التوكّل والاعتماد على الله -سبحانه- في جميع الأمور.
- التوبة الصادقة والله يحب التوابين والمتطهرين.
- تحقيق العدل في الأقوال والأفعال.
- التيسير على الناس.
- التقوى، التي تعني فعل ما أمر الله واجتناب ما نهى عنه.