تفسير قوله تعالى: “ألم نشرح لك صدرك” و”وضعنا عنك وزرك”، وهما الآيتان الأولى والثانية من سورة الشرح في كتاب الله عز وجل.
وقد وردتا في القرآن الكريم في الجزء الثلاثين. فما معنى هاتين الآيتين الكريمتين وما هي أسباب نزولهما؟ وما تفسير بقية سورة الشرح؟
سورة الشرح
أين تم تنزيل سورة الشرح وما عدد آياتها؟ هل هي مكية أم مدنية؟
- سورة الشرح هي سورة مكية، عدد آياتها 8 آيات، وهي السورة رقم 94 في المصحف الشريف، ضمن الجزء الثلاثين.
- لا تحتوي على ذكر لفظ الجلالة “الله”، وتم تنزيلها بعد سورة الضحى.
- تبدأ السورة بأسلوب استفهام: “أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ”.
- عدد كلمات السورة هو 27 كلمة، وتتكون من 102 حرف.
- أشار بعض العلماء إلى أن فهم سورة الشرح يتطلب ربطها بسورة الضحى، حيث الاستفهام في سورة الضحى يتصل باستفهام سورة الشرح.
- كما ورد في سورة الضحى: “أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى” وغيرها من الآيات.
- بالتالي، يعتبر البعض أن سورة الضحى وسورة الشرح مثل سورة قريش وسورة الفيل، حيث لا يمكن فهم معنى إحداهما دون الأخرى.
سبب نزول سورة الشرح
- أكرم الله النبي ﷺ بهذه السورة عندما ضاقت به الأرض بما رحبت، حيث كذبه قومه وقتل أصحابه.
- عانى من العذاب وطُرد من بلده، وكانت قريش ترغب في كيده، وطُرد من الطائف.
- تألم النبي ﷺ خلال تلك الفترة ولم يكن له ملاذ إلا الله سبحانه وتعالى، الذي ذكره بفضله: “ألم نشرح لك صدرك؟” وهذا تذكير له بالمنح التي أنعم بها الله عليه.
- الله تعالى لا يستفهم بشكل حقيقي بل يُظهِر للنبي ﷺ أنه قد حصل بالفعل هذا الشرح في قلبه، مُبشرًا بأنه معه رغم كل الهموم.
- لقد شرح الله صدره وحمل العذاب الذي كان يثقل كاهله.
تفسير “ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك”
- الحديث يتعلق بتفسير سورة الانشراح أو سورة الشرح، حيث يشار إليها لدى بعض العلماء بسورة السكينة، نظرًا لأثرها الجميل على من يتفكر فيها.
- كما أن سورة الشرح وسورة الضحى تكملان معنى بعضهما البعض.
- كان عمر بن عبد العزيز يحرص على قراءة سورة الشرح بعد سورة الضحى دون البسملة بسبب ترابط معاني السورتين.
- تعتبر سورة الشرح بمثابة نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى على عباده، وخصوصًا على النبي ﷺ، خلال أوقات الضيق.
- الكثير من العلماء يرون أن سبب نجاح النبي ﷺ في الدعوة هو شعوره بالانشراح في الصدر رغم المصاعب التي واجهته.
- الانشراح في الصدر هو أكبر نعمة أنعم الله بها على خلقه.
نعمة انشراح الصدر
- خلق الإنسان على طبيعة الخوف مما قد يأتي، مثل خشيته على أولاده من الضياع أو أصدقاء السوء.
- كما يخاف على أمواله من النقص ويخاف على مركزه العام.
- فالإنسان قد يفقد كل شيء بين ليلة وضحاها.
- كل هذه المخاوف لا تشرح الصدر إلا شيء واحد، وهو العلم.
- فمن يفتقر للمعرفة الشرعية القوية يصبح معرضًا للأهواء والوساوس.
- الاستفهام في “ألم نشرح لك صدرك” هو استفهام تقريري، بمعنى أنه بالفعل قد حصل شرح صدره.
- التخفيف الذي حصل له يعني أن الله هو الذي أزال عنه أعباءه، كما أنه ذكره برحمة الله التي أحاطته، وبذلك يُذكر جميع المومنين بالرحمة.
- الاستفهام هنا موجه للنبي ﷺ وللأمة الإسلامية برمتها، حيث الفرق بين شخص لديه راتب قليل وآخر براتب عالي يكون في معرفة الله الحقيقية.
- من يشعر بالقلق أو الاكتئاب عليه أن يدرك أن الشيطان هو الذي يعيق انشراح صدره، بينما المعرفة الحقيقية بالله تُبعد هذه الآلام.
تفسير معاني سورة الشرح
- يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً”.
- تفسير “ألم نشرح لك صدرك” أتى في وقت كان النبي ﷺ فيه في أعمق حالات الضيق، حيث كان يواجه المعاناة من جميع الجهات.
- كان النبي ﷺ يدعم المعذبين بالقول لهم أن يثبتوا، رغم معاناته الشخصية.
- في تلك اللحظات القاسية تأتي وعود القرآن الكريم للنبي: “ألم نشرح لك صدرك”، موضحةً أن هذا الضيق لن ينجح في منع الرسالة.
- لذا نقول لكل مكروب أنك أقوى من ظروفك مادمت مع الله.
- لماذا استخدم الله كلمة “صدر” بدلاً من “قلب”؟ لأن القلب موجود في الصدر، والصدر يمثل اتساع المساحة التي تحتوي على المشاعر والآلام.
- كذلك يوضح إخراج ما في داخل الصدر من غل ووساوس.
تفسير “وضعنا عنك وزرك”
- معنى “وضعنا” هو إزالة، و”الوزر” يعني الحمل، وقد أشار بعض العلماء إلى أنه يشمل الذنب. والسؤال هنا، هل كان للنبي ﷺ ذنوب؟
- في البداية طمأن الله قلب نبيه ثم خفف عنه الأعباء، ويأتي التعب من الحمل الثقيل.
- يخبر الله النبي بأنه قد خفف عنه جميع الأعباء، وهناك تفسير آخر يشير إلى مغفرة ذنبه ما تقدم منها وما تأخر.
- ومن بين هذه الذنوب أن النبي عبس في وجه ابن أم مكتوم.
- يطمئن الله نبيه بأن جميع ذنوبه قد غفرت له.
ما المقصود باليُسر والعُسر؟
- اليُسر هو استقبال النفس للأحداث بانفتاح، في حين أن العُسر يعني استقبال الأحداث بعبء.
- لقد كلفنا الله بأفعال معينة ومنعنا عن أخرى.
- على سبيل المثال، خلال السفر، يُسمح للمسافر بتقصير الصلاة.
- هذا يعني أن بإمكانه الصلاة في وقت غير محدد أو الجمع بين صلواتي مغرب وعشاء.
- كما يُسمح له بالإفطار يوم السفر إذا كان صائمًا.
- هذا يُظهر أن الله تعالى يرغب في دفع المشقة عن عباده، ويحرص على تسهيل الأمور on لمساعدة المسلمين.
- كما ورد في آية أخرى: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” من سورة البقرة (الآيات 183 – 185).