أنواع الصبر
يمكن تصنيف الصبر إلى ثلاثة أنواع رئيسية؛ وهي الصبر على قضاء الله وقدره، الصبر على الطاعة، والصبر عن المعاصي. سيتم تناول هذه الأنواع بالتفصيل في الفقرات التالية.
الصبر على قضاء الله وقدره
يعتبر الصبر على الابتلاء نوعاً مهماً من أنواع الصبر، حيث يتحلى المسلم بالصبر تجاه ما يواجهه من قضاء الله وقدره، وهو ما يقع خارج عن إرادته. يُعد هذا الصبر هو اختبار الله للعباد في هذه الدنيا. وقد ورد في كتاب الله -عز وجل- وصف لحال الصابرين في قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ). كما وجه الله تعالى عباده إلى ما يعينهم على الصبر في الأوقات الصعبة بقوله: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).
يُعتبر التوكل على الله -تعالى- والاحتساب من مقومات الصبر أيضاً، بالإضافة إلى وجوب الرضا بقضاء الله وقدره، مما يعكس تسليم العبد لأمره إلى الله -تعالى- دون تذمر. يعلم العبد أن الله -تعالى- هو من يعلم الأقدار، وأن حكمته تظهر في كل شيء.
إن الرضا بقضاء الله وقدره يُعتبر مرتبة أعلى من مجرد الصبر على الابتلاء، حيث يصل العبد إلى هذه المرتبة عندما يدرك أن ما أصابه هو تقدير من الله -تعالى-، وبالتالي يسلم أمره له ويقبل قضائه، مما يجلب له الطمأنينة. إن الصبر على الابتلاء علامة يقينية على إيمان المؤمن، ويظهر في سلوكه مدى رضاه بما قدر الله له. ولا شك أن عاقبة الصبر تحمل الخير في الدنيا والآخرة.
توجد فروقات ملحوظة بين الصبر والرضا؛ فالصبر يعني إمساك النفس عن السخط على القضاء رغم معاناتها، بينما الرضا هو شعور بالطمأنينة وانشراح القلب تجاه قضاء الله، دون تمنٍ لزوال الألم. لذا، فإن الصبر يشمل منع النفس من الاستجابة العاطفية التي قد تؤدي إلى الخوف من المصائب.
إن اعتراض المسلم على ما يواجهه، والسخط على قضاء الله، والحزن المفرط بسبب الدنيا، وترك التسليم لله من الأمور التي تتعارض مع الصبر والرضا. كما أن تمني الموت بسبب البلاء، أو ارتكاب المحرمات مثل النياح والهلع، تؤثر سلبياً على صبر المؤمن.
يجب على المؤمن أن يتحلى بصفة الصبر والرضا؛ فهو يتفكر في معاني الخير والحكمة في القضاء، ويدرك أن هذه الدنيا فانية ومتغيرة. ويجب أن لا يُنسب الشر إلى الله -تعالى-، لأنه لا يأتي إلا بالخير وله حكمة في كل شيء.
الصبر عن المعصية
يُمكن للمسلم أن يتحلى بالصبر عن معصية الله -تعالى- بامتناعه عن فعلها، حيث يذكر نفسه دوماً بتقوى الله وبالآخرة، ويجتهد في مقاومة النفس فيما يتعلق بحب المعصية. ينبغي على المسلم تدريب نفسه على كراهية الأفعال والأقوال التي يذكرها الله في سياق المنهيات.
ينقسم الصبر عن المعصية إلى ثلاثة أقسام: الأول هو صرف القلب عن حبها والتعلق بها، والتجنب عن الأماكن التي تعزز من ذلك. الثاني هو منع النفس من فعلها إذا كانت قادرة على ذلك، بحيث لا تقترب منها. والثالث هو السرعة في التخلص منها عند وقوعها مع التوبة السريعة.
توجد أسباب عديدة تعين العبد على الصبر عن المعصية، منها:
- العلم بعواقب المعصية وأن الله -تعالى- قد حرمها لرداءتها وسوء عاقبتها.
- خشية الله -تعالى- التي تتحقق من الشعور بمراقبة الله له في كل وقت.
- استحضار نعمه وإحسانه، مع العلم بأن المعاصي قد تؤدي إلى زوال النعم.
- علو نفس المؤمن وعزتها عن تدنيسها بالذنوب.
- تعزيز محبة الله -تعالى- في القلب.
- تجنب الإسراف في الأطعمة والمشروبات والألبسة، حيث قد تكون مصدراً للمعاصي.
- تذكر الموت وقصر الأمل.
الصبر على طاعة الله
يعتبر الصبر على طاعة الله -تعالى- من أبرز أنواع الصبر، فهو يرافقه صدق العبد مع الله ومع نفسه، وجهاده لفعل الطاعة. كما جاء في القرآن: (وَاصبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).
يمكن تقسيم الصبر على الطاعة إلى ثلاثة أقسام: أولها أن يكون العبد مفعماً بالنشاط والتوجه نحوها. وثانيها أن يؤدي الطاعة وفق ما أراده الله -تعالى- بقلب خاشع. وثالثها أن يُتْمِم الطاعة دون إضافة ما يُبطلها من الرياء والتفاخر.
نفى الله -تعالى- عباده للصبر في مواضع عدة مثل قوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلْتَّقْوَى). يتحرك العبد في صبره على الطاعة بين ثلاث حالات؛ حيث يصحح نيته قبل البدء، يُشعر بمدى مراقبة الله له أثناء الطاعة، ثم يستمر في أداء الطاعات حتى إتمامها، مع كتمان العمل دون التفاخر أو الإعجاب.
يساهم في ذلك دوام الذكر لله -تعالى-، ورجاء الثواب وخشية العقاب، وتذكر فضل الصبر وأثره، مما يساعد النفس على التحمل والطاعة.
مجالات الصبر
مجالات الصبر متسعة ومتنوعة، إذ تشمل كافة جوانب حياة المسلم تقريباً، ومن هذه المجالات ما يلي:
- الصبر على الأعمال التي تطلب وقتاً طويلاً والمثابرة المستمرة.
- التحكم بالنفس لتجنب ردود الفعل العاطفية.
- التأني والتروي عند تحقيق الأهداف الدنيوية.
- التحلي بالشجاعة في المواقف التي تستدعي ذلك.
- الامتناع عن الانجرار وراء الشهوات التي قد تؤدي إلى العواقب السلبية.
- تدريب النفس على تحمل المصاعب والآلام.
- كظم الغيظ ومحاربة الإساءة بالحسنة.
- الصبر في طريق طلب العلم.
أهمية الصبر
يتعرض الإنسان في هذه الحياة لتقلبات متكررة بين الخير والشر، وهي سنة من سنن الله -تعالى-؛ فلا تدوم حال لأحد.
وقد وضع الله -تعالى- للعباد قواعد الشكر في أوقات الفرح والصبر في الأوقات الصعبة، لذا يكون العبد شاكراً في النعم وصابراً في البلاء، وهذا يُعد عبادة لله -سبحانه وتعالى-. كما أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- أن حال المؤمن دائمًا خير، فقال: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ).
فضل الصبر
قد أثنى الله -سبحانه وتعالى- على الصابرين في عدة مواضع من القرآن، حيث قال: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
وقد روى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الصبر هو أفضل هبة، حيث قال: (ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ). كما يحصل الصابر على أجر عظيم، حيث قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
علاوة على ذلك، يُحظى المسلم الصابر بمحبة الله -تعالى-، كما في قوله: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، ومن خلال الصبر يتحقق قرب الله -تعالى- للعبد كما ذكر في قوله: (وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ)، مما يؤدي إلى شعور العبد بحلاوة الإيمان.