الأشكال الهندسية في العمارة الإسلامية
تجسد العمارة الإسلامية تنوعًا فنيًا بارزًا، وفيما يلي نستعرض الأشكال الهندسية البارزة التي تم استخدامها في هذا النمط المعماري:
الدائرة
تعتبر الزخرفة الإسلامية تجسيدًا للفن الراقي، حيث تُعد الدائرة واحدة من الأشكال الهندسية التي اعتمدها المعماريون المسلمون في زخارفهم، إلى جانب الأشكال الأخرى مثل المثلث والمربع والمضلع. وقد أسفرت هذه العناصر عن فن زخرفي خالد يجسد جمال العمارة الإسلامية.
للحديث عن الدائرة، لا بد من الإشارة إلى الأطباق النجمية، التي يمكن تصورها كدائرة محاطة بزوايا خارجية تميل بزاوية معينة. تعتبر الأشكال النجمية تداخلات هندسية رائعة تعكس أشكالاً نهائية زخرفية، مثل النجوم.
يمكن رؤية هذا في نوافذ الجامع الأموي، حيث بدأت هذه الأشكال في الظهور من خلال تصميمات تتضمن دائرة ومربعين يميل أحدهما عن الآخر بزاوية 45 درجة، مما يؤدي إلى الحصول على الشكل النجمي النهائي.
تحتل الدائرة مكانة خاصة في الفن الإسلامي، حيث تعد رمزًا للكمال الذي لا بداية له ولا نهاية، إذ يسعى الفن الإسلامي إلى تجسيد الجانب الروحي والجمالي. فالله هو الأول والآخر، وبالتالي تمثل الدائرة وحدة الخالق وإبداعه.
وترسم الدائرة من خلال تحديد نقطتين، واحدة مركزية والأخرى تتحرك ضمن مسافة ثابتة، مما يرمز إلى الطواف حول الكعبة ودوران الكواكب حول الشمس. كما تشكل الدائرة قاعدة جدران الجوامع، مثل قبة الصخرة التي أنشأها الأمويون وتدعّمها أعمدة من الرخام الأخضر.
المثلث
يمثل المثلث رمزًا روحيًا لدى المسلمين، حيث يرمز إلى الدعاء الصاعد إلى الله، مما يمثّل قاعدته أسفل، بينما تنزل رحمة الله إلى عباده عبر قاعدة المثلث لأعلى. يمكن ملاحظة تطبيقات المثلث في الزخارف الإسلامية، لاسيما في زخارف منبر صلاح الدين وجدران المسجد الأقصى.
المثلث والمربع يشكلان الأساس لبقية الزخارف، حيث ينتج عنهما أشكال مختلفة من خلال إضافة أو حذف الأضلاع، مما يؤدي لإنتاج أشكال مثل الخماسي والسداسي. وقد استخدمت هذه الأشكال في تزيين المعادن، الجص، الخشب، والطوب لجدران المساجد وأقماعها.
المربع
يُعدّ المربع في الحضارة الإسلامية رمزًا للاستقرار والتوازن العادل، حيث يرمز إلى تساوي أضلاعه. يتم الحصول على المكعب من خلال دوران المربع، وهذا الشكل يعكس الاستقرار الروحي للمسلم عند زيارة الكعبة. يقوم المعماريون بتنفيذ تصميمات تعتمد على المربع في المساجد.
يتجلى الشكل المربع في التصاميم الأموية، خاصة في بلاد الشام، حيث قام عبد الملك بن مروان ببناء الجامع الأموي مربع الشكل، وتبعه تصميمات مشابهة في جامع القيروان وجامع قرطبة في إسبانيا وجامع الزيتونة في تونس. كما بُنيت قصور مربعة الشكل، مثل قصر عمر.
المضلع
تتكون المضلعات من تكرار أشكال هندسية بسيطة، كالمضلع الثماني الذي ينتج من تداخل مربعين متطابقين. ويتيح زيادة عدد المربعات الحصول على مضلعات أخرى، تتضمن أشكالًا نجمية تحتوي على 10 أو 12 شعبة.
تظهر المضلعات بوضوح في الأبواب الخشبية التي زُخرفت بالذهب أو النحاس المنقوش بأشكال نجمية ومضلعات عديدة. ومن أمثلة ذلك باب ذو مصراعين موجود في دار الآثار العربية باسم السلطان قلاوون.
المعين
دخل المعين الزخرفة الإسلامية خلال القرن الثالث الهجري، وتطورت أشكاله مع مرور الزمن. يُستخدم المعين في زخرفة الأقمشة والسجاد (الكليم) وكذلك في تزيين جلود المصاحف، وقد تم رؤيته على الجص في واجهات المسجد النبوي.
يتواجد المعين بكثرة في فن المقرنصات، وهي زخارف تشبه خلايا النحل تتدلى من القباب أو الواجهات، ويستخدم لتزيين السقوف الخشبية للمباني الدمشقية أو لنقوش الجص والنوافذ الحجرية.
الشكل السداسي
يمثل الشكل السداسي التداخل بين مثلثين، حيث يُظهر الرحمة الإلهية والدعاء. تم استخدامه في تزيين جدران المسجد الأقصى، وغالبًا ما يظهر في تزيين زجاج النوافذ.
يستعمل الشكل السداسي في الزخارف الفسيفسائية في قصر الحمراء. كذلك، فإن توظيف الشكل السداسي يظهر بشكل جميل في العمارة الإسلامية في العهد المغولي في الهند، خاصة في أضرحة مدينة أگرا مثل تاج محل.
الشكل الثماني
ظهر الشكل الثماني في الفن الإسلامي بشكلٍ بارز في بناء قبة الصخرة، وهي تحفة معمارية مثمنة الشكل، مع قبة مستديرة عالية. تم تصميمها بألوان زخرفية خضراء وذهبية، واهتم عبد الملك بن مروان بجعلها تحفة مميزة.
يحمل الشكل الثماني دلالات روحية، مستندًا إلى الآية القرآنية “ويحمل عرش ربك يومئذ ثمانية”. يمكن الحصول على الشكل الثماني من تركيب مربعين معًا، ويظهر في زخارف النوافذ الحجرية المسماة “زخرفة الجالي”، المصنعة لنشر الضوء وتزينها بالأحجار الكريمة.
يتميز الفن الإسلامي بخصائص تفصله عن الفنون الأخرى، حيث يتسم بالشمولية والتوازن بين الروح والفن، كما يتجنب الفراغات، مما يعكس جمال أماكن العبادة.
ما هو الأرابيسك في العمارة الإسلامية؟
خلال مسيرة تاريخ الفن الإسلامي، شهدت الزخارف تطورًا ملموسًا، حيث لم تقتصر على الأشكال الهندسية، بل شملت أيضًا الزخارف القائمة على الخط العربي والنباتات وفن الأرابيسك. تميّزت هذه الزخارف بخلوها من المجسمات والتمثيلات لتلاءم روحانية العبادة.
الأرابيسك هو نوع من الزخرفة النباتية، حيث تتداخل سيقان النباتات مع عناصر هندسية، مما ينتج فنًا متجددًا. يُعرف أيضًا بالزخرفة العربية، ويشمل استخدام الأشكال الهندسية والأنماط الخطية لخلق فن محفور على الخشب.
يُعتبر الأرابيسك من أبرز الفنون في التاريخ الإسلامي، ويستخدم في الزخرفة على الخشب والنحاس والذهب. انتشر استخدامه بشكل كبير خلال العصور الإسلامية، حيث وَجَدَ في الجدران والقباب والمآذن والمنابر، كما تزينت به أبواب المدن والمنازل وقطع الأثاث والأواني المنزلية، حيث عُرف بشكل خاص في مصر وبلاد الشام، وطورها الأندلسيون، واستُخدم بشكل واسع خلال العهد العثماني.