دراسة موجزة حول الحرب التي وقعت في القرم

حرب القرم، التي نشبت بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية، بدأت في عام 1853 واستمرت حتى عام 1856. انتهت هذه الحرب بانتصار الدولة العثمانية، مما أدى إلى توقيع معاهدة في باريس بين الجانبين. في هذا المقال، سنستعرض أحداث الحرب وأسبابها.

مقدمة حول حرب القرم

تُعرف هذه الحرب أيضًا بالحرب الشرقية، وقد جرت أحداثها في شبه جزيرة القرم، حيث كانت الأطراف المتصارعة تتمثل في الإمبراطورية الروسية من جهة، والدولة العثمانية، إلى جانب البريطانيين والفرنسيين من جهة أخرى.

كما انضمت سردينيا كحليف للدول الثلاث ضد روسيا في يناير من عام 1854، مقدمة الدعم العسكري من خلال جيشها الخاص.

كانت من أبرز أسباب اندلاع هذه الحرب هو العدوان الروسي على الدولة العثمانية، حيث طالبت روسيا بفرض الحماية على الممتلكات الأرثوذكسية التي تعود للحاكم العثماني.

كما كان هناك صراع آخر بين روسيا وفرنسا على الامتيازات الممنوحة للكنائس، الأرثوذكسية والكاثوليكية، في المناطق المقدسة بفلسطين.

أدى ذلك إلى تشكيل تحالفات بين القوى الأوروبية المذكورة أعلاه لمواجهة الجيش الروسي، مما نتج عنه تدمير الأسطول البحري الروسي في البحر الأسود عام 1854.

تمكنت القوات الأوروبية من السيطرة على مدينة سيفاستوبول الروسية في عام 1855، بعد حصار طويل.

أسباب اندلاع الحرب

تمثلت الأسباب الظاهرة لاندلاع حرب القرم في الدفاع عن الدين وحماية القدس والأماكن المقدسة هناك. كان من المعروف أن الأراضي المقدسة كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، ولكنها كانت مهدًا للمسيحيين واليهود أيضًا. حاولت الطوائف المسيحية السيطرة على هذه الأراضي المقدسة، حيث انقسمت هذه الطوائف إلى قسمين رئيسيين: الأرثوذكس الشرقية والكاثوليك الرومانية.

وبسبب انعدام التعاون بينهما، كانت كل طائفة تسعى للهيمنة على الأراضي المقدسة بمفردها. وفي عام 1690، منح السلطان العثماني الكنيسة الكاثوليكية الرومانية سلطات تمكنها من السيطرة على الكنائس في الناصرة وبيت لحم والقدس.

وفي عام 1740، تم إبرام معاهدة تقضي بأن تتولى رهبان الكنيسة الكاثوليكية حماية هذه الأراضي المقدسة، بهدف الحفاظ على السلامة العامة للمسيحيين وتمكينهم من أداء الحج. ومع ذلك، أدى تزايد أعداد أفراد الطائفة الأرثوذكسية إلى نقل مهمة حماية الأماكن المقدسة إلى رهبان هذه الطائفة.

تولت الإمبراطورية الروسية حماية الطائفة الأرثوذكسية تحت حكم القيصر نيكولاس الأول، الذي كان يؤمن بدور روسيا كمدافعة عن المسيحيين الأرثوذكس. وقد شهدت الفترة من 1847 حتى 1848 نزاعات بين الطائفتين الكاثوليكية والأرثوذكسية في القدس، واندلاع صراعات بين الروس والفرنسيين على الأراضي العثمانية.

اقترحت فرنسا في وقت لاحق أن تتقاسم الطائفتين السيطرة على الأراضي المقدسة، ولكن في أواخر عام 1852، سيطر الجيش الفرنسي على هذه المناطق، مما اعتبرته روسيا تحديًا كبيرًا.

في عام 1853، أرسل القيصر الروسي مينشيكوف إلى القسطنطينية، وهو دبلوماسي قاد بعثة ضغطت على السلطان العثماني لتقديم تنازلات لصالح روسيا. واتهم مينشيكوف المسؤولين العثمانيين باضطهاد المسيحيين الأرثوذكس، مطالبًا بإبرام اتفاق يضمن حقوق المسيحيين الأرثوذكس. وأثار هذا القلق لدى السلطان العثماني بشأن استقلاله، فطلب من القوى الأوروبية حمايته.

عند أدراك مينشيكوف لفشله، عاد إلى سانت بطرسبرغ ليخبِر القيصر بأن السياسة الروسية فشلت وأن بريطانيا رفضت مطالبهم. في هذه الأثناء، أدرك نيكولاس أن العثمانيين تحت ضغط المتغيرات الأوروبية، وبات متجهًا نحو زيادة النفوذ الروسي في مناطق الشرق الأدنى.

غزت روسيا مولدافيا وأجزاء من تركيا عام 1853، مما جعل القيصر يتوقع عدم مقاومة البريطانيين بسبب الخلافات بين العثمانيين والبريطانيين. كان هدف روسيا هو إجبار العثمانيين على تقديم ضمانات لحماية الأرثوذكس.

لكن لم يكن القيصر يدرك أن الغزو سوف يسبب توترات مع القوى الأوروبية، مما تسبب في فقدان السلام في القارة، وشعور النمسا والمجر بالتهديد بعد عبور الجيش الروسي لنهر الدانوب، مما أدّى في نهاية المطاف إلى اندلاع الحرب.

اندلاع الحرب وأحداثها

أعلنت النمسا وبريطانيا وفرنسا الحرب على روسيا في أكتوبر عام 1853. بحلول نهاية نوفمبر، تم تدمير الأسطول الروسي في البحر الأسود على يد البحرية التركية.

كان دعم بريطانيا يهدف إلى تأمين التجارة مع العثمانيين وضمان عدم انهيار نظامهم. أما فرنسا، فكانت تسعى للانتقام من هزيمتها على يد روسيا عام 1812. طالبت فرنسا وبريطانيا روسيا بالانسحاب من أراضي الدانوب وأمهلتها حتى نهاية مارس 1854.

انضمت النمسا إلى بريطانيا وفرنسا في هذا الطلب، ورغم أن القيصر وافق على شيئين، إلا أنه كان يخدعهم. نتيجة لذلك، قامت الجيوش المتحالفة بالتوجه نحو ساحل بلغاريا، وفي أغسطس من نفس العام، تم إنشاء حاجز يفصل بين الجانبين بواسطة القوات النمساوية.

اتفقت القوات الأوروبية على النزول إلى شبه جزيرة القرم للهجوم على القاعدة البحرية الروسية في سيفاستوبول. على الرغم من توقعاتهم بأن يستمر الغزو لمدة اثني عشر أسبوعًا فقط، إلا أن النزاع استمر لأكثر من عام، مع وقوع معارك كبيرة بين الجيوش الأوروبية.

في 20 سبتمبر 1854، شهدت معركة “ألمـا” التي استخدم فيها الجيش البريطاني والفرنسي بنادق جديدة، وتمكنوا من تحقيق النصر.

لم تتمكن القوات الأوروبية من مهاجمة سيفاستوبول مباشرة، بل قاموا بمحاصرتها، بينما تمكن الجيش الروسي من تعزيز الدفاعات. بعد ذلك، نشبت معارك في إلكلافا وإنكرمان، وتمكنت القوات الفرنسية من حماية إسطنبول وبلطيق والمحيط الهادئ بدعم بحري.

في عام 1854، سيطرت القوات الأوروبية على القلعة في بلطيق المعروفة بـ “أولاند بومارسوند”، وكذلك تم تدمير حوض بناء السفن. وفي سبتمبر 1855، تكبد الجيش الروسي خسائر كبيرة، مما أجبره على الانسحاب من سيفاستوبول.

تم أسر حوالي مائتي ألف جندي روسي، بينما استعد الجيش البريطاني للهجوم على مرونستادت وسانت بطرسبرغ.

نهاية حرب القرم

بدت الإمبراطورية الروسية غير قادرة على التكيف مع هزيمتها أمام القوى الأوروبية بحلول يناير 1856، وكانت تسعى لتحقيق السلام رغم فقدان حوالي خمسمائة ألف جندي، معظمهم بسبب سوء التغذية والأمراض.

كما دُمِّر اقتصادها ولم يكن لديها القدرات اللازمة لتصنيع أسلحة حديثة ومتطورة. في 30 مارس 1856، تم توقيع معاهدة سلام في باريس، والتي أسفرت عن تهدئة الوضع في روسيا، وتوحيد ألمانيا، واستمرار حكم تركيا حتى عام 1914.

وعكست حرب القرم القوة العظمى لبريطانيا، وأثبتت أهمية النزاعات البحرية في الشؤون العالمية. ومع ذلك، استمرت العلاقات بين الدول الأوروبية الشرقية في التوتر بعد انتهاء الحرب، حيث شعر القيصر الروسي ألكسندر الثاني، الذي تولى الحكم بعد نيكولاس الأول في مارس 1855، بأن البلاد تحتاج إلى النهوض لتتمكن من مواجهة التحديات المستقبلية.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *