ابن حجر العسقلاني
الاسم و اللقب
يُعتبر الإمام الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود الكناني العسقلاني المصري، المعروف بلقب ابن حجر، شخصية بارزة في علم الحديث وشيخ الإسلام. وُلد في القاهرة وتبع المذهب الشافعي، ويعود لقبه “العسقلاني” إلى أصوله من منطقة عسقلان.
مولده وتوقعات والده
وُلِد ابن حجر في الثاني والعشرين من شهر شعبان سنة 773 هـ في نيل مصر. وقد تم بناء منزل على أرض ولادته، لكنه بُيع بعد وفاته. انتقل بعدها إلى القاهرة، حيث توفي. كان له أخ فقيه نجيب وافته المنية، مما أصاب والده بالحزن. ولكن جرى إخبار والده من قِبَل الشيخ الصنافيري أنه سيفرح بولادة ابن عالم سيملأ الأرض علماً، وهو ما تحقق ببركة الله من خلال ابن حجر.
الزوجات والأبناء
تزوج ابن حجر -رحمه الله- أربع مرات، وأنجب خمس أبناء؛ أربعة بنات وولد واحد. من بين زوجاته كانت أُنس خاتون، وهي محدثة ومقرئة كانت تحظى باحترام كبير من ابن حجر، وأنجب منها أربع بنات: فاطمة ورابعة وفرحة وعالية. كما تزوج من خاص ترك وأنجب منها ابنه الوحيد محمد بدر الدين المُكنّى بأبي المعالي. وتزوج أيضاً من أرملة الزين الأمشاطي وليلى الحلبي، ولكنه لم يُرزق منهما بأولاد.
طلب العلم وشيوخه
بدأ ابن حجر تحصيل العلم في سن الخامسة، وتفوق بفطنة استثنائية وقدرة فائقة على الحفظ. فقد أتم حفظ سورة مريم في يوم واحد، وتمكن من حفظ حزب من القرآن الكريم كل يوم. واصل دراسته للمتون في عدة علوم منذ صغره، وافتتن بعلم الحديث. وبحلول سن الثانية عشر، بدأ التعلم على يد القاضي أبو حامد المكّي، حيث تدرّس معه كتاب “عمدة الأحكام” في مكة المكرمة. كان لديه حرص صادق وشغف تجاه العلم، مما قاده للاجتماع بكبار الحُفّاظ آنذاك. لقد سافر إلى بلدان متعددة مثل الشام واليمن والحرمين، وتعلم على أيدي العديد من الشيوخ المعروفين، مثل:
- التنوخي: الذي قاد ابن حجر لمدة ثلاث سنوات وكان له دور كبير في إقرائه.
- العراقي: الذي أمضى معه عشر سنوات، وأول من أعطى ابن حجر إذناً لتدريس الحديث.
- الهيثمي: حيث قرأ عليه ابن حجر الكثير من الكتب واطلع على نصف “مجمع الزوائد” وربع “زوائد مسند أحمد”.
- البلقيني: الذي قرأ عليه كتب فقهية عديدة وتعلّم منه الكثير.
- ابن الملقن: حيث درس جزءاً كبيراً من شروحه المختلفة.
- ابن جماعة: الذي شارك معه لمدة واحد وعشرين عاماً في مختلف العلوم.
- المجد الشيرازي، والغماري، وابن هشام: الذين نقلوا له قواعد اللغة العربية وفصاحتها.
تلاميذه
تميز ابن حجر بعلم كبير في الحديث حتى جذبت معرفته التلاميذ من مختلف البقاع، ومن بينهم الحنفيّون والمالكيّون والحنبليّون. وقد تم تسجيل نحو 626 تلميذاً في كتاب “الجواهر والدرر”. من أبرز تلامذته:
- ابن قاضي شهبة: مؤلف كتاب “طبقات الشافعية”.
- ابن فهد المكّي: مؤلف كتاب “لحظ الألحاظ”.
- ابن تغري بردي: الذي ألّف عدة كتب منها “النجوم الزاهرة”.
- محمد الكافيجي الحنفي: الذي كتب “المختصر في علم التاريخ”.
المناصب والكتب
شغل ابن حجر عدة مناصب مهمة في الدولة، بما في ذلك تدريس الحديث والفقه، وأصبح شيخاً للعديد من المناطق. تم تعيينه لاحقاً قاضياً للقضاة في مصر وألف العديد من الكتب المهمة، منها:
- “فتح الباري” شرح “صحيح البخاري”.
- “الإصابة في تمييز الصحابة”.
- “تعليق التعليق”.
- “تقريب الغريب في غريب صحيح البخاري”.
- “إتحاف المهرة بأطراف العشرة”.
- “الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف”.
- “نصب الراية إلى تخريج أحاديث الهداية”.
- “هداية الرواة إلى تخريج المصابيح والمشكاة”.
الوفاة
اعتزل ابن حجر منصب قاضي القضاة في عام 852 هـ، وكرّس جهده للتأليف والإملاء. استمر في أداء هذه الأنشطة حتى أصيب بمرض شديد في الحادي عشر من ذي القعدة من نفس السنة. ورغم مرضه، إلا أنه واصل الذهاب للصلاة والإملاء حتى أصابه التعب، مما اضطره للتخلف عن صلاة عيد الأضحى. وبعد رؤيته علامات اقتراب أجله، انضم إلى إحدى زوجاته وصالحها. وافته المنية في الثامن والعشرين من ذي الحجة، وقد أحاط به أصدقاؤه وأحبابه الذين كانوا يقرأون سورة يس. عمّ الحزن إثر وفاته، وأُغلقت الأسواق تضامناً. وقد شُيع جنازته في مشهد مهيب شهد له التاريخ.
مدح العلماء لابن حجر العسقلاني
أثنى العلماء عليه، حيث لقبوه بمغني المسلمين، ولاحظوا تفوقه في العلوم الشرعية. تناولت كتاباته العديد من الجوانب المعرفية، وخاصة علم الحديث. أشاد العراقي بنبوغه في فترة زمنية قصيرة، وذكره السخاوي كعبقري في مجال العلم والأخلاق، مما دفع العلماء للقدوم إليه ليفيدوا ويرتسموا على نهجه. وقد كان له سمعة مشرفة في التواضع والذكاء الرفيع.
جهود الإمام ابن حجر في كتاب فتح الباري
يبقى كتاب “فتح الباري” من أهم الكتب التي تناولت شرح “صحيح البخاري”، حيث استغرق تأليفه حوالي 25 عاماً. ابتدأ الكتاب بمقدمة عرفت “بهدي الساري”، وانتهى بترجمة للإمام البخاري. قام بجهد متميز في تنظيم الأحاديث وتقديم الشرح اللازم، مع عناية خاصة بالإعراب والمعاني. الكتاب يُعد مرجعاً لازماً لطالب العلم والمفتي، حيث جمع فيه بين مختلف المصادر وتناول فيه أحاديث وطرائقها، وكان له من المعرفة العميقة ما جعله يشتهر في العالم الإسلامي.