الإمام أبو حنيفة النعمان رائد تدوين الفقه
يُعَدُّ الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي -رحمه الله- أول من قام بتدوين الفقه الإسلامي. لقد كان الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- متمرسًا في العلوم الفقهية، متسمًا بالتقوى والزهد. وقد وصفه الإمام الشافعي بقوله: “الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة”.
أسس أبو حنيفة -رحمه الله- فروعًا لكل موضوع من موضوعات الفقه، ونظم الأبواب والفصول، مما سهل الوصول إلى أحكام المسائل الفقهية بشكل منهجي ومنظم.
وعليه، فإن علم الفقه قد سبق تدوينه علم أصول الفقه، رغم وجود كلا العلمين في تلك الفترة. لذا، يمكن القول إن الفقه بدأ يتم توثيقه في زمن سابق على أصول الفقه.
أسلوب أبو حنيفة في تدوين الفقه
على الرغم من تزامن ظهور علم الفقه وأصول الفقه في القرن الثاني الهجري، إلا أن الإمام أبو حنيفة شرع في تدوين الفقه قبل أن يبدأ التأليف في أصول الفقه. كانت طريقة تدوينه تعتمد في البداية على عرض المسائل الفقهية على شكل أسئلة، تليها الإجابات الملائمة لكل سؤال فقهي.
تطور الفقه وانتشاره
شهد تدوين الفقه تطورًا ملحوظًا عبر العصور؛ حيث بدأ هذا التدوين في مراحله الأولى مختلطًا بالآثار والسنة. ثم نما الفقه ليظهر بشكلٍ مستقل كما فعله الإمام أبو حنيفة، وذلك على هيئة مسائل فقهية وجوامع، مع التركيز على الفروع وصور المسائل بدلاً من القواعد العامة والمبادئ.
تبع هذه المرحلة مرحلة أكثر تطورًا، التي تمثلت في تأليف المدونات وأمهات الكتب، والتي ساهمت في حفظ المذاهب الفقهية. وتميزت المرحلة اللاحقة بتصنيف الفقه بأسلوب علمي ودقة متناهية، مما أظهر الحاجة إلى استخدام عبارات متقنة تتطلب بعض الشرح والتفصيل. ولهذا السبب، نشأت الشروحات والحواشي على النصوص الفقهية.
وفي العصور الحديثة، برز نوع متطور من تدوين الفقه عُرف بالموسوعات الفقهية، التي تتميز بشمولها ووضوح ترتيب معلوماتها. فلم تقتصر فائدة هذه الموسوعات على الفقهاء المتخصصين فحسب، بل استهدفت عموم الناس بأسلوبها البسيط وسهولة عباراتها.