عتاب الناصحين حول قلبي الضائع للمتنبي
إن عتاب الناصحين بشأن قلبي الضائع
وحب الأحبة في ظلامه
يشكو الملامة إلى اللائمين حرّه
ويتجنب حين يلومون عن ألمه
وبمحرّاك، يا ناصحي، أريد أن أخبرك
إني أعتب عليك أكثر مما أرضيه
إن كان قد امتلك القلوب، فإنه
امتلك الزمن في أرضه وسمائه
الشمس من حساده، والنصر من
أعوانه، والسيف من أسمائه
أين الثلاثة من ثلاث خصاله
من حسناته، وإباءه، وفضائله؟
لقد مضت العصور وما وصلنا بمثله
وقد أتت الأمور وعجزنا عن نظرائه
لعمرك ما الدنيا بدار فناء لأبي العتاهية
لعمرك، ما الدنيا بدار فناء
يكفيك بدار الموت دارا للزوال
فلا تعشق الدنيا، أخي، فإنما
يظهر عاشق الدنيا بجُهد بلا
حلاوتها ممزوجة بمرارة
وراحتها مختلطة بعناء
فلا تمشِ يومًا بثياب الوهم
فإنك من طينٍ خُلِقَتَ وماء
نادرٌ من تجدُه لله شاكراً
ونادرٌ من يرضى بقضائه
ولله نعمٌ علينا عظيمة
ولله إحسانٌ وفضلٌ عطاء
ومرت الأيام واحدةً في تباينها
وليس كل أيام الفتى سواء
وما هو إلا يوم بؤس وشدة
ويوم سرورٍ مرةً ورخاء
وما كل ما لم أرجُه أُحرَمُ نفعه
وما كل ما أرغبه أهل رجاء
يا عجبًا للدهر، لا بل لريبه
يخرب ريْب الدهر كل إخاء
وشتت ريب الدهر كل جماعة
وكدر ريْب الدهر كل صفاء
إذا ما صديقي حلّ في برزخ الفناء
فليكن نأتنا وبعد لقائي
أزور قبور المترفين فلا أرى
بهاءً، وقد كانوا، في السابق، أهل بهاء
وكل زمانٍ موصولٌ بصريمة
وكل زمانٍ ملطّفٌ بجفاء
يُعزّ دفاع الموت عن كل حيلة
ويعجز دواء الموت عن كل داء
ونفس الفتى مسرورة بنمائها
وللنقص تنمو كل ذات نمو
وكم من مُفدى مات لم يرَ أهله
حبوه، ولم يجودوا له بفداء
أمامك، يا نَوْمَانُ، دار سعادة
تدوم البقاء فيها، ودار شقاء
خلقتَ لإحدى الغايتين، فلا تنم
وكن بين خوفٍ منهما ورجاء
وفي الناس شرٌّ لو بدا ما تعاشروا
ولكنّ كساهم الله ثوب غطاء
على قدر الهوى يأتي العتاب لأحمد شوقي
على قدر الهوى يأتي العتاب
ومن عاتبتُه يفديه الأصحاب
ألوم معذبي، فألوم نفسي
فأغضبها ويرضيها العذاب
ولو أنني استطعتُ لتبتُ عنه
ولكن كيف أبتعد عن روحي؟
ولقلبي بأن يهواني يُجازى
ومالكه بأن يجني يُثاب
ولو وُجد العقاب لفعلت، لكن
نفار الظبي ليس له عقاب
يلوم اللائمون وما رأوه
وقد ضاع في الناس الصواب
صحوت، فأُنكِر السلوى بقلبي
عليّ، وراجعت الطرب الشباب
كأن يد الغرام زمام قلبي
فليس عليه دون الهوى حجاب
كأن رواية الأشواق عودٌ
على بدءٍ وما كمل الكتاب
كأني والهوى أخوان مدمين
لنا عهدٌ بها، ولنا صحبة
إذا ما اغتضتُ عن عشقٍ يعشق
أعيد العهد، وتمتدّ الشراب
